أقدم لكم هذه النصوص المتعلقة بدرس الرغبة، والتي يمكن استثمارها إما أثناء معالجة إشكالات الدرس أو كفروض لتقويم التلاميذ.
نص 1 :
“إن ما نسميه الرغبة هو ذلك التوتر الذي يحس به الإنسان في أعماقه حينما يغيب عنه شيء ما كان من الممكن أن يمنحه اللذة. هذه الرغبة تزيد أو تنقص، حسب حدة التوتر. وهنا لن يكون من غير المجدي أن نشير بشكل عابر إلى أن التوتر هو الأساس الذي يثير النشاط الإنساني، كي لا نقول إنه المحرك الوحيد له.
ومهما تكن المنفعة التي نقترحها على الإنسان، وكان غياب تلك المنفعة لا يترتب عنه أي إحساس بالانقباض أو الألم، وأن الذي يمكن أن يحرم منها يمكن أن يكون مسرورا رغم عدم حصوله عليها، فإنه لن يخطر بباله أن يرغب فيها، بل إنه لن يبذل أي جهد قصد الاستمتاع بها. فهو لن يشعر تجاه تلك المنفعة إلا باهتزاز خفيف فحسب، وهو لفظ نوظفه كي نعبر به عن أدنى مراتب الرغبة، وما يقرب كثيرا من تلك الحالة التي توجد عليها النفس بخصوص شيء لا تكترث به ولا ترغب فيه إطلاقا، أي عندما يكون الانقباض الذي يسببه غياب شيء ما غير مهم وضعيف بحيث إنه لا يقود ذاك الذي حرم منه إلا إلى تكوين بعض الأمنيات البسيطة دون أن يجهد نفسه للحصول عليها.
إن الرغبة تخمد أو تتباطأ أيضا، بناء على القول إن المنفعة المأمولة لا يمكن الحصول عليها إلا شريطة أن يتبدد توتر النفس أو يقل”.
نص 2 :
” إن الإنسان أولا هو في نفس الوقت جسد وروح، لذلك لا بد من تحرير الجسد من لعنة النظرة الميتافيزيقية واللاهوتية. إن الإنسان ليس سوى علاقة بين الجسد والروح، ولمعرفة الإنسان لا بد أن نعرف قدرات جسده وحدود هذه القدرات.
والإنسان ثانيا، وحدة عاطفة وعقل، وهو يخضع لدينامية العواطف لأنه كائن راغب، والجهد عنده فيزيائي وبيولوجي ونفسي ولكنه أيضا معرفي ينقله من المخيلة… إلى العقل الذي ينتج أفكارا مطابقة، فالعقل يتحكم في العواطف”.
نص 3 :
” مهما بلغ الأمل من القوة فإنه بسبب سلبيته يبقى مختلفا عن الإرادة، كما أنه لا يتضمن عملا ولا نشاطا في حين أن الإرادة هي في الحقيقة فعل. نرغب مثلا في أن يكون الطقس جميلا في الغد من دون أن نتمكن من التأثير في ذلك أبدا. كما يمكن أن تكون الآمال غير معقولة، كأن نتمنى عودة ميت إلى الحياة؛ فإننا نتمنى مثل ذلك، لكنه يشذ عن إرادتنا، لأنه أمر مخالف للعقل؛ فتكون التمنيات فقط حيث الإرادة عاجزة.
فإن الذي يعاني وخز الضمير يتمنى لو أنه لم يفعل ما فعله لكنه لا يستطيع إرادة ذلك، كما أن المتخاذلين والمترددين وضعاف الشخصية هم أصحاب تمنيات وآما ل، ولا يصلون إلى مرتبة الإرادة الفاعلة.
وإذا كانت هناك رغبات تبقى في حدود الخيال ولا تقبل التنفيذ، فإن الرغبات المتلائمة مع الواقع يمكن أن تكون قوة للإرادة التي تتوفر لها وسائل التنفيذ. فلا وجود لإرادة غير مسبوقة برغبة قابلة للتنفيذ”.
نص 4 :
” حيثما توجد الرغبة يوجد اللاشعور. واللاشعور لغة تنفلت من سلطة الذات، لها بنيتها الخاصة والمستقلة وآثارها في الذات. إن اللاشعور لغة توجد وراء الشعور، وهنا بالضبط تتموضع وظيفة الرغبة…
ما الرغبة إذن؟ إنها، بمعنى من المعاني، ترفع إلى أبعد حد درجة اللذة والاستمتاع، خارج منطقة الوعي والإرادة، لكن بطريقتها الخاصة. وهي طريقة استيهامية، يلعب جانب التخييل وسجله دورا أساسيا في عملها… فالرغبة استمتاع الجسد بالتوترات والضغوطات الجنسية الدفينة والمنسية.
نص 5 :
« هناك أنواع من الرغبات بقدر ما هناك من أنواع الحب والكراهية، وان أحقها بالاعتبار وأقواها هي الرغبات التي تولدها البهجة والنفور… فما الرغبة التي تولدها البهجة؟ إن الطبيعة قد أقامت البهجة لتصور التمتع بما هو مبهج وملذ كأعظم خير بين كل الخيرات التي تنتمي إلى الإنسان. وهذا ما يجعلنا نشتهي بحرارة فائقة هذا التمتع. صحيح أن هناك أنواعا مختلفة من البهجات، وأن الرغبات التي تتولد بفضلها ليست كلها بالقوة ذاتها. ومثال ذلك، أن جمال الأزهار يحضنا فقط على النظر إليها، في حين أن جمال الفاكهة يحثنا على أكلها. غير أن الابتهاج الرئيسي هو الذي يأتي من الكمالات التي نظنها في شخص نعتقد أنه يستطيع أن يصبح ذاتنا الأخرى.
إذا لاحظنا لدى شخص شيئا معينا يبهجنا أكثر مما يبهجنا ما نراه في الوقت ذاته لدى الآخرين، فإن ذلك يوجه النفس لأن تشعر نحو هذا الشخص وحده بكل الميل الذي منحته إياه الطبيعة للبحث عن الخير الذي تصوره له بأن أعظم خير يمكن أن يحوزه. وهذا الميل، أو هذه الرغبة التي تولد هكذا من الإحساس بالبهجة تسمى عادة الحب » .
نص 6 :
” وقد ظن قوم أن كمال الإنسان وغايته هما في اللذات الحسية‘ وأنها هي الخير المطلوب والسعادة القصوى. وظنوا أن جميع قواه الأخرى إنما ركبت فيه من أجل هذه اللذات، والتوصل إليها، وأن النفس الشريفة التي سميناها ناطقة إنما وهبت له ليرتب بها الأفعال ويميزها، ثم يوجهها نحو اللذات، لتكون الغاية الأخيرة هي حصولها له على النهاية والغاية الجسمانية.
وهذا هو رأي الجمهور من العامة الرعاع، وجهال الناس السقاط … وسيظهر عند ذلك أن من رضي لنفسه بتحصيل اللذات البدنية، وجعلها غايته، وأقصى سعادته، فقد رضي بأخس العبودية، لأخس الموالي. لأنه يصير نفسه الكريمة… عبدا للنفس الدنيئة، التي يناسب بها الخنازير، والخنافس، والديدان، وخسائس الحيوانات التي تشاركه في هذا الحا ل”.
نص 7 :
” - أليس صحيحا أن بعض العطشى لا يرغبون أحيانا في الشرب؟
- أجل كثيرا ما يحدث ذلك.
- فماذا نقول عن هؤلاء سوى أن في أنفسهم مبدأ يأمرهم بالشرب وآخر ينهاهم، وإن الآخر يختلف عن
الأول ويتغلب عليه؟
- هذا ما أعتقده.
- ألا ترى أن المبدأ الذي يقوم بمثل هذه النواهي في النفس، إنما يأتي من العقل، بينما الاندفاع والميل يرجع
إلى الانفعالات أو إلى الأمراض؟
- يبدو ذلك.
- فلنا الحق إذن في أن نؤكد تميز كل من هذين المبدأين عن الآخر، فأما المبدأ الذي تفكر به النفس، فلنسمه
العقل، وأما ذلك الذي تحب به، وتجوع به وتعطش، وتتعرض به لكل الانفعالات، فلنسمه شهوة لاعاقلة،
ترتبط باللذة عند إشباع حاجات معينة…
- أليست مهمة العقل، هي أن يأمر، لأنه حكيم، ولأن مهمته هي أن يسهر على رعاية النفس بأسرها؟ “
نص 8 :
” تنمحي فرديتنا عندما يشتغل التضامن الآلي، فلا يكون الفرد فردا بل كائنا منصهرا في الجماعة… ويختلف التضامن الآلي كليا عن التضامن الذي ينتج عن تقسيم العمل. فإذا كان التضامن الأول يستلزم تشابه الأفراد، فإن التضامن الثاني يفترض اختلاف بعضهم عن البعض الآخر. فالأول لا يكون ممكنا إلا إذا ابتلعت الشخصية الجماعية الشخصية الفردية. ولا يكون الثاني ممكنا إلا إذا كان لكل فرد مجاله الخاص به، وبالتالي شخصية متميزة. ينبغي، إذن، للوعي الجمعي ألا يغطي كل مساحة الوعي الفردي، حتى يتمكن هذا الأخير من القيام بالمهام التي لا يمكن للتضامن الآلي أن يضمنها. تكون هذه المساحة واسعة، بقدر ما يكون التماسك الناتج عن هذا التضامن تماسكا قويا؛ وبقدر ما يتوسع تقسيم العمل، تزداد تبعية الأفراد للمجتمع”.
نص 9 :
« لايتحرك الإنسان إلا راجيا، وإذا كان راهبا خائفا كانت حركته إما سعيا إلى النجاة أو هربا من الخوف. فالرجاء لايكون إلا بما يلقى في نفسه من ترقب الخير الذي هو طلب المحبوب، أو فوات المكروه. لكل إنسان اعتقادات تتضمن تصديقا بشيء أو تكذيبا بشيء آخر، وله قصد ورغبة لما يرجوه من الأمور التي يعدها محبوبة ممكن الوصول إليها أو لدفع المكروه عنه. ولما كان الإنسان بطبعه يقصد الخير فيرجوه بعمله، فإنه إن كذب بفكرة فلم يصدقها، لم يرج فيها خيرا فيقصده ويطلبه بعمله. غير أن الإنسان قد تعرض له اعتقادات فاسدة فيها إعراض عن الخير واستحسان للشر، فتتجه الرغبة إلى الشر ترجوه وتتمناه إن وافق الهوى، أو تخافه إذا كان غير محبوب لها. والخوف والرجاء مستلزم أحدهما للآخر”.