الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام ، وشرح صدورنا للإيمان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد : -
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم - : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البرِّ، وإن البرِّ يهدي إلى الجنة ، وما يزالُ الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً ، وإياكُم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً ) ( 1).
هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب قُبح الكذب وحسن الصدق وفضله.
وافق يوم الجمعة الماضي الأول من شهر أبريل، ومما يؤسف له أن بعض الناس يقومون في هذا اليوم بأعمال شنيعة حيث ينشرون الأخبار الكاذبة مثل : إن فلاناً قد تعرض لنوبة قلبية ، أو أصيب في حادث مروع، وربما ترك هذا الأمر وبالاً على المستمع، ثم يمازحه قائلاً: هذه كذبة الأول من أبريل.
لذلك رأينا من الواجب علينا تحذير الأمة من ذلك، فنحن محاسبون على كل كلمة نقولها، ومما يورد الإنسان المهالك أن يطلق للسانه العنان يقول ما يشاء ، لذلك يجب علينا أن نعلم بأن كل لفظ يخرج من الإنسان سيحاسب عليه أمام ربه، فإن كان صالحاً صعد إلى الملأ الأعلى لقوله تعالى :{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }( 2) ، وإن كان غير ذلك فمأواه جهنم وبئس المصير، لما روى عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه- قال : قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : كُفّ عليك هذا وأشار إلى لسانه، قال يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ قال : ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال : على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم ) (3 ).
إن ديننا الإسلامي دين الصدق، فالإسلام لا يقبل من أتباعه أن يكونوا كذابين لما ورد في الحديث: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - سئل : ( أيكون المؤمن جباناً؟ قال : نعم، أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم ، أيكون المؤمن كذاباً، قال : لا) (4)، ولقوله – صلى الله عليه وسلم-: ( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب) (5).
ومن المعلوم أن الصدق من أكرم الصفات وأعظم الأخلاق ، فهو خلق إسلامي جليل ولباس من التقوى جميل، فقد دعا ديننا الإسلامي الحنيف إلى مكارم الأخلاق حيث مدح الله نبينا – صلى الله عليه وسلم - بقوله : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(6) ، فجاء – عليه الصلاة والسلام- ليقود البشرية إلى الخير ، حيث دعا إلى كل فضيلة ونهى عن كل رذيلة ، كما أخذ بأيديهم من الظلمات إلى النور، ومن الجبن إلى الشجاعة ، ومن البخل إلى السخاء والكرم ، ومن الرذائل إلى الفضائل، ومن الظلم إلى العدل ، ومن الخيانة إلى الأمانة ، ومن الكذب إلى الصدق ، فرسولنا – صلى الله عليه وسلم - كان يُعرف بالصادق الأمين قبل بعثته، فلما أكرمه الله بالرسالة ازداد تمسكاً بهذه الفضيلة حتى شهد له أعداؤه بذلك ، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون - عليهم الصلاة والسلام – حيث يقول الله عن خليله إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}(7) ، ويقول عن سيدنا إسماعيل – عليه الصلاة والسلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}( ،ويقول عن إدريس– عليه الصلاة والسلام-:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}(9)، ويقول أيضا: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}(10)،أي: وأمه مريم موصوفة بملازمة الصدق والعفاف والطهارة في كل أقوالها وأعمالها وسلوكها.
ضرورة التثبت من الأخبار
وعند قراءتنا للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فإننا نجد نصوصاً عديدة تطالبنا بالتأكد من صحة ما نقول، وضرورة التثبت من المعلومات قبل ترديدها ، حتى لا نقع في المعاصي والآثام، فرب كلمة كانت سبباً في تفكك أسرة ، أو إثارة العداوة في المجتمع ، أو نشر الحقد والبغضاء بين المسلمين، لما ورد في تفسير قوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (11) فقد ورد أن الآية الكريمة السابقة نزلت في حق الوليد بن عقبة، الذي بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى بني المصطلق ليجمع منهم الزكاة، فلمّا سمعوا به ركبوا إليه ليستقبلوه، فظن أنهم يريدون قتله ، ولم يحاول التأكد من الأمر ورجع إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله ، إنم قد ارتدُّوا ومنعوا الزكاة ، فهمَّ النبي – صلى الله عليه وسلم - بغزوهم ، ثم بعث – صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد – رضي الله عنه- إليهم ، وأمره أن يتثبَّت ولا يعجل ، فانطلق حتى أتاهم ليلاً ، فبعث عيونه ، فلما جاءوا أخبروا خالداً –رضي الله عنه – أنهم مستمسكون بالإسلام ، وسمعوا أذانهم وصلاتهم ، فلما أصبحوا أتاهم خالد – رضي الله عنه - فرأى الذي يعجبه ، فأخذ منهم الصدقات، وأخبروا خالداً بأن الوليد بن عقبة لم يصل إليهم وبالتالي لم يطلب منهم دفع الزكاة ، فلما رجع خالد إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (12).
فالإسلام طلب منا أن نتأكد من الأخبار قبل تصديقها ، وأن نتحرى دقتها و صحتها .
الخيـر كله في الصـدق
إن الخير كله في الصدق لقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( تحروا الصدق، وإن رأيتم الهلكة فيه، فإن النجاة فيه ، وتجنبوا الكذب، وإن رأيتم أن النجاة فيه ، فإن الهلكة فيه ) (13).
لذلك فقد أرشدنا – صلى الله عليه وسلم - إلى وجوب تنشئة الأبناء على خلق الصدق حتى يشبوا على ذلك فمن شب على شيء شاب عليه ، لما ورد أن أم عبد الله بن عامر بن ربيعة –رضي الله عنها- دعت ولدها عبد الله ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيتها، فقالت لولدها: تعال أعطك شيئاً، فقال لها النبي– صلى الله عليه وسلم - : ماذا أردت أن تعطيه؟ فقالت : أعطيه تمراً ، فقال – صلى الله عليه وسلم - : " أما إنك لو لم تُعْطه لكتبت عليك كذبة " (14 ).
ويجب علينا تحذير الأبناء من مصاحبة الكذابين فالمرء على دين خليله، لما روي عن الإمام البخاري – رحمه الله – أنه خرج يطلب الحديث من رجل، فرآه قد هربت فرسه، والرجل يشير إليها برداء كأن فيه شعيراً ، فجاءته فأخذها، فقال البخاري : أكان معك شعير؟، فقال الرجل: لا ، ولكني أوهمتها ، فقال البخاري: لا آخذ الحديث ممن يكذب على البهائم .
كما وبين – عليه الصلاة والسلام- أن الله مع الصادقين ، وأن الصدق في التجارة يكون سبباً للخير والبركة لقوله – صلى الله عليه وسلم - التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)(15)، وقوله أيضا : ( البيّعان " أي البائع والمشتري" بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدق البيعان وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً ويمحقا بركة بيعهما ) (16).
كما وحذر – صلى الله عليه وسلم – من الكذب ، وإن كان مازحاً، لقوله – صلى الله عليه وسلم - : (أنا زعيم ببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب ، وإن كان مازحاً ) (17).
كما وحثنا – صلى الله عليه وسلم – على ضرورة المحافظة على ست خصال تجلب لنا الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدَّثتم ، وأوفُوا إذا وعدتُم ، وأدُّوا إذا ائتمنتُم ، واحفظوا فرُوجكم ، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم)(18).
هذا هو ديننا، فعلينا أن نلتزم بآدابه وأخلاقه، لأن ذلك سر نجاحنا في الدنيا ونجاتنا يوم القيامة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
الهوامش :
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم - : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البرِّ، وإن البرِّ يهدي إلى الجنة ، وما يزالُ الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً ، وإياكُم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً ) ( 1).
هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب قُبح الكذب وحسن الصدق وفضله.
وافق يوم الجمعة الماضي الأول من شهر أبريل، ومما يؤسف له أن بعض الناس يقومون في هذا اليوم بأعمال شنيعة حيث ينشرون الأخبار الكاذبة مثل : إن فلاناً قد تعرض لنوبة قلبية ، أو أصيب في حادث مروع، وربما ترك هذا الأمر وبالاً على المستمع، ثم يمازحه قائلاً: هذه كذبة الأول من أبريل.
لذلك رأينا من الواجب علينا تحذير الأمة من ذلك، فنحن محاسبون على كل كلمة نقولها، ومما يورد الإنسان المهالك أن يطلق للسانه العنان يقول ما يشاء ، لذلك يجب علينا أن نعلم بأن كل لفظ يخرج من الإنسان سيحاسب عليه أمام ربه، فإن كان صالحاً صعد إلى الملأ الأعلى لقوله تعالى :{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }( 2) ، وإن كان غير ذلك فمأواه جهنم وبئس المصير، لما روى عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه- قال : قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : كُفّ عليك هذا وأشار إلى لسانه، قال يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ قال : ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال : على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم ) (3 ).
إن ديننا الإسلامي دين الصدق، فالإسلام لا يقبل من أتباعه أن يكونوا كذابين لما ورد في الحديث: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - سئل : ( أيكون المؤمن جباناً؟ قال : نعم، أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم ، أيكون المؤمن كذاباً، قال : لا) (4)، ولقوله – صلى الله عليه وسلم-: ( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب) (5).
ومن المعلوم أن الصدق من أكرم الصفات وأعظم الأخلاق ، فهو خلق إسلامي جليل ولباس من التقوى جميل، فقد دعا ديننا الإسلامي الحنيف إلى مكارم الأخلاق حيث مدح الله نبينا – صلى الله عليه وسلم - بقوله : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(6) ، فجاء – عليه الصلاة والسلام- ليقود البشرية إلى الخير ، حيث دعا إلى كل فضيلة ونهى عن كل رذيلة ، كما أخذ بأيديهم من الظلمات إلى النور، ومن الجبن إلى الشجاعة ، ومن البخل إلى السخاء والكرم ، ومن الرذائل إلى الفضائل، ومن الظلم إلى العدل ، ومن الخيانة إلى الأمانة ، ومن الكذب إلى الصدق ، فرسولنا – صلى الله عليه وسلم - كان يُعرف بالصادق الأمين قبل بعثته، فلما أكرمه الله بالرسالة ازداد تمسكاً بهذه الفضيلة حتى شهد له أعداؤه بذلك ، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون - عليهم الصلاة والسلام – حيث يقول الله عن خليله إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}(7) ، ويقول عن سيدنا إسماعيل – عليه الصلاة والسلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}( ،ويقول عن إدريس– عليه الصلاة والسلام-:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}(9)، ويقول أيضا: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}(10)،أي: وأمه مريم موصوفة بملازمة الصدق والعفاف والطهارة في كل أقوالها وأعمالها وسلوكها.
ضرورة التثبت من الأخبار
وعند قراءتنا للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فإننا نجد نصوصاً عديدة تطالبنا بالتأكد من صحة ما نقول، وضرورة التثبت من المعلومات قبل ترديدها ، حتى لا نقع في المعاصي والآثام، فرب كلمة كانت سبباً في تفكك أسرة ، أو إثارة العداوة في المجتمع ، أو نشر الحقد والبغضاء بين المسلمين، لما ورد في تفسير قوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (11) فقد ورد أن الآية الكريمة السابقة نزلت في حق الوليد بن عقبة، الذي بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى بني المصطلق ليجمع منهم الزكاة، فلمّا سمعوا به ركبوا إليه ليستقبلوه، فظن أنهم يريدون قتله ، ولم يحاول التأكد من الأمر ورجع إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله ، إنم قد ارتدُّوا ومنعوا الزكاة ، فهمَّ النبي – صلى الله عليه وسلم - بغزوهم ، ثم بعث – صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد – رضي الله عنه- إليهم ، وأمره أن يتثبَّت ولا يعجل ، فانطلق حتى أتاهم ليلاً ، فبعث عيونه ، فلما جاءوا أخبروا خالداً –رضي الله عنه – أنهم مستمسكون بالإسلام ، وسمعوا أذانهم وصلاتهم ، فلما أصبحوا أتاهم خالد – رضي الله عنه - فرأى الذي يعجبه ، فأخذ منهم الصدقات، وأخبروا خالداً بأن الوليد بن عقبة لم يصل إليهم وبالتالي لم يطلب منهم دفع الزكاة ، فلما رجع خالد إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (12).
فالإسلام طلب منا أن نتأكد من الأخبار قبل تصديقها ، وأن نتحرى دقتها و صحتها .
الخيـر كله في الصـدق
إن الخير كله في الصدق لقوله – صلى الله عليه وسلم - : ( تحروا الصدق، وإن رأيتم الهلكة فيه، فإن النجاة فيه ، وتجنبوا الكذب، وإن رأيتم أن النجاة فيه ، فإن الهلكة فيه ) (13).
لذلك فقد أرشدنا – صلى الله عليه وسلم - إلى وجوب تنشئة الأبناء على خلق الصدق حتى يشبوا على ذلك فمن شب على شيء شاب عليه ، لما ورد أن أم عبد الله بن عامر بن ربيعة –رضي الله عنها- دعت ولدها عبد الله ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيتها، فقالت لولدها: تعال أعطك شيئاً، فقال لها النبي– صلى الله عليه وسلم - : ماذا أردت أن تعطيه؟ فقالت : أعطيه تمراً ، فقال – صلى الله عليه وسلم - : " أما إنك لو لم تُعْطه لكتبت عليك كذبة " (14 ).
ويجب علينا تحذير الأبناء من مصاحبة الكذابين فالمرء على دين خليله، لما روي عن الإمام البخاري – رحمه الله – أنه خرج يطلب الحديث من رجل، فرآه قد هربت فرسه، والرجل يشير إليها برداء كأن فيه شعيراً ، فجاءته فأخذها، فقال البخاري : أكان معك شعير؟، فقال الرجل: لا ، ولكني أوهمتها ، فقال البخاري: لا آخذ الحديث ممن يكذب على البهائم .
كما وبين – عليه الصلاة والسلام- أن الله مع الصادقين ، وأن الصدق في التجارة يكون سبباً للخير والبركة لقوله – صلى الله عليه وسلم - التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)(15)، وقوله أيضا : ( البيّعان " أي البائع والمشتري" بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدق البيعان وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً ويمحقا بركة بيعهما ) (16).
كما وحذر – صلى الله عليه وسلم – من الكذب ، وإن كان مازحاً، لقوله – صلى الله عليه وسلم - : (أنا زعيم ببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب ، وإن كان مازحاً ) (17).
كما وحثنا – صلى الله عليه وسلم – على ضرورة المحافظة على ست خصال تجلب لنا الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدَّثتم ، وأوفُوا إذا وعدتُم ، وأدُّوا إذا ائتمنتُم ، واحفظوا فرُوجكم ، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم)(18).
هذا هو ديننا، فعلينا أن نلتزم بآدابه وأخلاقه، لأن ذلك سر نجاحنا في الدنيا ونجاتنا يوم القيامة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
الهوامش :