السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الأساس في بناء الأسره المسلمه



د.عبدالله قادري الأهدل..


إن
الأسرة المسلمة الصالحة، هي التي يتربى أفرادها تربية إسلامية، تثمر في
نفوسهم الأمن والاطمئنان والسكينة والحب، ولا سبيل إلي إلى ذلك إلا بوجود
زوجين صالحين تربى كل منهما على العلم النافع، والعمل الصالح.

ولهذا
كان الواجب الأول عند إرادة الزواج، أن يبحث الزوج الصالح عن المرأة
الصالحة ذات الدين الحق، وأن يختار ولي الأمر للمرأة الصالحة الزوج الصالح،
حتى يسكن كل منهما إلى الآخر، وتتحقق بينهما المودة والرحمة، وتنشأ
ذريتهما على التقوى والخلق الحسن، تحقيقا لقول الله عز وجل: {وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21].

وإذا كانت
هذه المعاني قد توجد بين زوجين مسلمين أو غير مسلمين؛ لالتقائهما على
الفطرة التي اقتضتها حكمة الله في الذكر والأنثى، فإنها لا توجد بحدها
الأعلى إلا في الزوجين المسلمين الصالحين، لاجتماع الفطرة الغريزية،
والتوجيه الشرعي الرباني فيهما.

ومن أعظم صفات المرأة المسلمة:
الصلاح وما يشمله، من عبادة الله، وحفظ حقوق الزوج، وحقوق الأولاد، قال
تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ
اللّهُ..} [سورة النساء:34].

وقد أجمل الله تعالى صفات المرأة
الصالحة في أعلى صورها في هذه الآيات التي وجه إليها نساء نبيه صلى الله
عليه وسلم، وهن قدوة نساء المؤمنين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا
جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ
الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا
عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ
مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا
رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ
النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ
مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا *
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ
كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا
عَظِيمًا} [سورة الأحزاب: 28-35].

إن صفات الخير التي وجه الله
تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات، هي مطلوبة من نساء
المؤمنين كلهن، وإن كان لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصية في مضاعفة
الثواب لهن على طاعتهن، ومضاعفة العقاب لهن على معصيتهن؛ لمكانهن من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، الذي ينزل عليه الوحي في بيوتهن وفي جوارهن، وهو
يعلمهن ويزكيهن مباشرة، بما يوحيه الله تعالى عليه من الآيات والحكمة، كما
أن ما يؤمرن به من الطاعة آكد من أمر غيرهن، وما ينهين عنه من المعصية آكد
من نهي غيرهن، ولكنهن قدوة لبقية نساء المؤمنين في فعل صفات الخير، وترك
فعل الشر.

وإن الآية الأخيرة قد جمعت الصفات الأساسية لجميع
المسلمين، رجالا ونساء، وهي تبين أصول الصلاح المطلوب في الفرد المسلم
والأسرة المسلمة، وكذا المجتمع المسلم.

ومما يدل على هذا الأساس:
نهي الله تعالى المسلمَ أن ينكح المشركة، ونهي المسلمة أن تنكح المشرك،
حرصا على بناء الأسرة المسلمة الصالحة؛ لأن المشركين من أهل النار ويدعون
إليها صدا عن سبيل الله، والمسلمين من أهل الجنة ويدعون إليها، تحقيقا
لدعوة الله.

وأباح سبحانه وتعالى عند الضرورة ـ أو الحاجة القريبة
منها - أن يتزوج المسلمُ الحرُّ أمةً مؤمنةً، وإن كان في ذلك رقُّ أولاده
منها، فهي مفسدة تهون في جانب مفسدة الزواج بمشركة؛ لأن رق الأولاد ـ بسبب
الزواج بأمة مؤمنة - هو رق حسي؛ لأنهم في عبوديتهم الحقة لربهم أحرار من
عبودية غيره. بخلاف أولاد المشركة، فقد يكونون أحرارا حسا، أرقاء في واقع
الأمر رقا مذلا لغير الله تعالى، إذا ما هي أفسدتهم بالشرك بالله.

كما
أباح سبحانه زواج المرأة المسلمة الحرة بالعبد المؤمن، إذا لم تجد مؤمنا
حرا، قال تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ
وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ
خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [سورة البقرة:
221].

ولهذا رجح بعض الفقهاء والمفسرين عدم جواز نكاح المسلم
العفيف المسلمة الزانية، إلا إذا أظهرت توبتها من ذلك، مستدلين بقوله
تعالى: {الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ
ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النور: 30] وهذا هو الراجح من مذهب
الحنابلة. [راجع المغني لابن قدامة 7/140-142]

ويرى الأئمة الثلاثة ـ
أبو حنيفة ومالك والشافعي - رحمهم الله ـ جواز نكاح الزانية قبل التوبة،
وحملوا النكاح المنهي عنه في الآية على أن المراد به الوطء بزنا..."
[المرجع السابق 7/141، والتفسير الكبير للرازي 23/151 ورجح ذلك ابن جرير
الطبري في تفسيره: 18/75].

والذي يظهر من قواعد الشريعة ونصوصها أنه
لا يجوز نكاح الزانية قبل التوبة من الفاحشة؛ "لأنها إذا كانت مقيمة على
الزنا، لم يؤمن أن تلحق به ولد غيره وتفسد فراشه" [المغني: 7/141].

ومهما
يكن الخلاف في هذه المسألة، فإن السنة قد أكدت اختيار المرأة الصالحة، وهي
ذات الدين، وإذا أطلق هذا اللفظ: "الدين" في الشرع، فالمراد به التقوى
والصلاح والورع، والإحسان الذي يجعل صاحبه يعبد ربه كأنه يراه.

وروى
أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح
المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت
يداك" [البخاري (6/123) ومسلم (2/1086)].

وجعل صلى الله عليه وسلم
المرأة الصالحة خير متاع الدنيا، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا متاع، وخير
متاعها المرأة الصالحة" [مسلم (2/1090)].

وأهل الفطر السليمة والعفة لا يرغبون في نكاح الزواني الفاسقات، ويتركون الصالحات [راجع التفسير الكبير للرازي (23/150)].

والمرأة
الصالحة خير كنز للمرء، لما فيها من صفات الخير العائدة عليه بالبركة في
حياته، كما في حديث عمر رضي الله عنه، وفيه: "ألا أخبرك بخير ما يكنز
المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب
عنها حفظته" [أبو داود (2/305-306)].

ثلاث صفات في المرأة الصالحة جمعت خصال الخير التي تدوم بها المودة وحسن العشرة بين الزوج وامرأته، وهي خير ما يكنز في حياته:

الخصلة
الأولى: تجملها له وتزينها وظهورها أمامه بمنظر حسن يسره النظر إليها، وهي
خصلة تدل على شدة حرصها على إدخال السرور عليه والعناية به، وقد لا تكون
مفرطة في الجمال، ولكن تزينها له وحسن هندامها يجعلها أمامه خيراً من
المفرطات في الجمال اللاتي لا يعتنين بأزواجهن مثلها.

الخصلة
الثانية: المسارعة في طاعة زوجها وتنفيذ رغباته المشروعة، والمؤمن الصالح
لا يأمر زوجته بما فيه معصية لله تعالى، ولا شك أن المرأة التي تطيع زوجها
ولا تعصيه كنزٌ ثمين غال لا يحصل عليه إلا من أسعده الله به.

الخصلة
الثالثة: حفظ حقوقه في غيبته: في نفسها وأولادها وماله وغيرها، وهذه
الخصلة أهم الخصال وأفضلها، لأنها لا توجد إلا في ذات الدين التي أمر
الرسول صلى الله عليه وسلم بالظفر بها.

فهي المرأة الأمينة على
نفسها التي يطمئن الزوج عليها في تربية أولاده، فلا تربيهم إلا على طاعة
الله وطاعة الوالدين في غير معصية الله، وتربيتهم على الصدق والأمانة
وحَسَن الأخلاق، كما يأمنها على نفسها، فلا ترتكب محرماً في غيبته عنها ولا
تفتح بابه لمن يكره، ولا تدخل في نسبه من ليس منه، ويأمنها على ماله فلا
تنفقه فيما حرم الله، ولا تبذر بشيء منه.

أي كنز يوازي هذا الكنز من
متاع الدنيا، وأي أمن يوازي هذا الأمن لمصاحب للإنسان في حياته كلها في
منزله الذي لا يفارقه إلا ليعود إليه؟ إنه "خير ما يكنز" كما قال الرسول
صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ويستحب لمن أراد
التزوج أن يختار ذات الدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة
لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"
متفق عليه. ويختار الجميلة؛ لأنه أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأدوم لمودته،
ولذلك شرع النظر قبل النكاح.." [الكافي (2/659)].

وإذا اجتمع الرجل
الصالح بالمرأة الصالحة على سنة الله ورسوله وطاعة الله ورسوله، بدأ بهما
تَكَوُّن الأسرة الصالحة التي هي نواة المجتمع الصالح، حيث ينجب الأولاد
ويعنى بتربيتهم جسمياً وعقلياً وروحياً، على هدى من كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم، والقدوة التي ينشأ فيها الطفل هي التي تحدد نشاطه
وتصرفاته واتجاهاته في مستقبل حياته في الأعم الأغلب؛ لأن ما ينبت في نفسه
وهو صغير، وينمو معه في منزله من أبويه، يصبح عادة متمكنة يصعب تغييرها بعد
كبره.

لهذا كان الواجب على الوالدين أن تكون تصرفاتهما كلها قدوة
حسنة لأولادهما، مع التوجيه النظري والتعليم، فإن التعليم لا ينفع إذا كانت
القدوة سيئة، فإن الفعل يتمكن في النفس أكثر من القول، لاسيما إذا كان
الفعل عادة يشاهدها الطفل في أبويه باستمرار. وتتعاون القدوة السيئة في
المنزل، مع الأفعال السيئة التي يشاهدها الولد في خارج المنزل، فينشأ محباً
للشر مبغضاً للخير.

وقد ذكّر الله المسلمين بأهمية القدوة الحسنة
بنبيهم صلى الله عليه وسلم فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا..} [الأحزاب: 21].

وكان الرسول صلى الله
عليه وسلم يأمر أصحابه أن يقتدوا بأفعاله في أهم الأعمال وأفضلها، كقوله
لهم في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي.." [البخاري (1/155)] وكان يعلّمهم
الصلاة بالفعل مع القول. وقال لهم في الحج: "لتأخذوا عني مناسككم" [مسلم
(2/943)].

وعندما أمرهم بالإحلال في الحديبية، إذ صدهم المشركون عن
الطواف بالبيت، لم تطب نفوسهم حتى أحلّ هو صلى الله عليه وسلم فتبعوه
[البخاري (3/182)].

وإذا كانت القدوة مؤثرة في الكبار، فإنها في
الصغار أشد تأثيراً، ومن هنا كان واجب الوالدين عظيماً في أن يهتما بأن
تكون تصرفاتهما إسلامية ينشأ عليها ولدهما، وإلا كانا سبباً رئيساً في
انحرافه بانحرافهما أو انحراف أحدهما، وبخاصة الأم التي لا يفارقها الطفل
في أغلب أحيانه.

قال محمد قطب ـ وفقه الله ـ: "ومرة واحدة من القدوة
السيئة تكفي، مرة واحدة يجد أمه تكذب على أبيه، وأباه يكذب على أمه، أو
أحدهما يكذب على الجيران.. مرة واحدة تكفي في تدمّر قيمة الصدق في نفسه،
ولو أخذ كل يوم وساعة يرددان على سمعه النصائح والمواعظ والتوصيات بالصدق،
مرة واحدة يجد أمه وأباه يغش أحدهما الآخر، أو يغشان الناس في قول أو فعل..

مرة
واحدة كفيلة بأن تدمر قيمة الاستقامة في نفسه، ولو انهالت على سمعه
التعليمات، مرة واحدة يجد في هؤلاء المقربين إليه نموذجاً من السرقة كفيلة
بأن تدمر في نفسه قيمة الأمانة، وهكذا في كل القيم والمبادئ التي تقوم
عليها الحياة الإنسانية السوية.

وقد يغفر الطفل للآخرين أن يكذبوا
ويخدعوا ويسرقوا ويغشوا ويخونوا... أو لا يتأثر به كثيراً، أو لا يتأثر به
على الإطلاق، إذا كان يأوي إلى ركن ركين من القيم والمبادئ متمثلا في
أبويه، وخاصة حين يبيّن له أبواه بالقدر الكافي من الإبانة والتوضيح أن تلك
نماذج سيئة لا ينبغي له أن يحاكيها، مستندين إلى النموذج الطيب الذي
يقدمانه هما لطفلهما.

ولكنه لا يغفر لأبويه أبداً شيئاً من ذلك، ولا يمكن أن يمر شيء منه بغير تأثر عميق في نفسه، وقد يبقى بقية العمر كله لا يتغير.

ومن
هنا كان حرص الإسلام الشديد على أن يكون الأبوان في ذاتهما مسلمين، أي
ممارسين لحقائق الإسلام وقيمه ومبادئه، وحرصه على تربية الناس على منهج
الإسلام؛ لكي يكونوا هم القدوة المباشرة لأبنائهما في الفترة التي ينحصر
عالم الطفل بهم، فتتكون في نفوس الأطفال – بالالتقاط والمحاكاة – تلك القيم
والمبادئ الإسلامية بغير جهد يذكر، وتنشأ في نفوسهم منذ الصغر، فتكون
عميقة الجذور، ثم يزيدها التعليم رسوخاً، ويزيدها المجتمع الإسلامي قوة،
حتى يكبر الطفل، فيتلقى التعليم، ثم يكبر أكثر فيحتك بالمجتمع، ويأخذ منه
ويعطي.

ومن هنا كذلك كان حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على توصية
الرجل وهو يتزوج أن يظفر بذات الدين، فيقول له: "تنكح المرأة لأربع..."
[الحديث، وقد سبق تخريجه.]

"فذات الدين هي الركن الركين في إقامة
البيت المسلم والأسرة المسلمة، وفي تنشئة الأطفال بالقدوة قبل التلقين على
قيم الإسلام ومبادئه منذ نعومة أظفارهم، فتصبح عادة لهم وطبيعة، وتصبح
جزئاً من كيانهم، ليس من السهل أن يحيدوا عنه، حين تحاول أن تلويهم
الأعاصير، وحين توجد القدوة الحسنة متمثلة في الأب المسلم والأم ذات الدين.

فإن
كثيراً من الجهد الذي يبذل في تنشئة الطفل على الإسلام، يكون جهداً ميسراً
وقريب الثمرة في ذات الوقت؛ لأن الطفل سيتشرب القيم الإسلامية من الجو
المحيط به تشرباً تلقائياً، وستكون تصرفات الأم والأب أمامه في مختلف
المواقف مع بعضهما البعض ومع الآخرين، نماذج يحتذيها ويتصرف على
منوالها..." [منهاج التربية الإسلامية لمحمد قطب (2/118)]. إن هذا هو أساس
الأسرة المسلمة: الزوجان المسلمان.